عديدة هي الدراسات والنظريات التي تناولت موضوع الذكاءات المتعددة (multiple intelligences) ما رأيكم أن تتعرفوا في هذا المقال على أبرز هذه النظريات؟
في أوائل الثمانينات قامت جامعة هارفارد (Harvard University) بتغيير المعتقدات القديمة عن الذكاء عندما أكد عالم النفس الأمريكي هوارد غاردنر (Howard Gardner) أن لذكاء الأشخاص أشكال متعددة وأن اختبارات القياس التقليدية (IQ Test) لا تقيس أشكال الذكاء جميعها وأن الذكاء ليس ثابت بل يُمكن أن يتغير بالزيادة أو النقصان.
من هنا كانت البداية، عندما رفض هاورد جاردنر فكرة أن للذكاء شكل واحد فقط وأكد على وجود العديد من القدرات العقلية المستقلة نسبيًا عند الإنسان والتي أطلق عليها فيما بعد اسم “الذكاءات البشرية” وأكد جاردنر في نظريته التي تناولت الذكاءات المتعددة والتي نشرها في كتاب الأطر العقلية (Frames of Minds) لكل ذكاء من هذه الذكاءات خصائصه وسماته الخاصة به.
إذن، ما هي النظرية التي غيرت وبشكل جذري النظرة إلى مفهوم الذكاء البشري؟ وما أثرها على منظومة التعلم والتعليم؟
لمحة عن نظرية الذكاءات المتعددة (Multiple Intelligences Theory)
قبل الحديث عن نظرية الذكاءات المتعددة لنلقي نظرة على النظريات التقليدية للذكاء والتي ترى أن الذكاء ميزة وخاصية تختلف قوتها من فرد إلى آخر، ولاختبار قوة الذكاء رأى العلماء أنه باستطاعتهم قياس ذكاء الناس من خلال الطلب منهم الإجابة عن اختبار معين، اعتمد هذا الاختبار على كتابة فقرات أو القيام ببعض العمليات الحسابية وإدراك العلاقات بين الأشكال ومن خلال الحلول يتم تحديد مستوى ذكاء الأشخاص.
لكن، في المقابل أهملت هذه الاختبارات عدد من المواهب الأخرى كالموسيقى والرياضة وحب الطبيعة حيث لا يمكن إنكار امتلاك البعض لهذه المواهب.
ثم جاءت نظرية الذكاءات المتعددة (Multiple Intelligences Theory) لتثبت أن للذكاء أشكالًا متعددة إذ قامت نظرية الذكاءات المتعددة على جملة من الأسس وهي:
- البشــر ليســوا جميعًا متطابقين بالذكاء.
- البشر لا يمتلكون العقول نفسها فلكل شخص عقل يختلف عن غيره.
- التعليم يكون فعالًا إذا تم أخذ جميع هذه الاختلافات بعين الاعتبار ولم يتم تجاهلها.
رفضت نظرية الذكاءات المتعددة الاعتقاد القائل بأن الذكاء مَلَكة عقلية واحدة، بل على العكس أكدت النظرية على أننا كلنا أذكياء ولكن بدرجات متفاوتة، وأن بإمكاننا جميعًا ضمن محيطنا الاجتماعي والثقافي أن نقوم بتشكيل ذكاءنا الشخصي وتكييفه بواسطة طرق متعددة.
كما أشارت النظرية إلى أن للوراثة والبيئة دورًا هامًا في ظهور أنواع مختلفة للذكاءات والتي قد يتمتع بها الفرد بالإضافة إلى أنها أكدت بأنه يُمكن تطوير هذه الأنواع وتعليمها من خلال التدريب وهي بطبيعتها تكون منفصلة عن بعضها لكنها لا تعمل منعزلة.
أهمية نظرية الذكاءات المتعددة
أثبتت الدراسات أن أهمية نظرية الذكاءات المتعدده تنبع من خلال الآتي:
- دعمها للفروق الفردية الموجودة بين الطلاب.
- وضعها ميول واهتمامات الطلاب موضع اهتمام وانطلاقها منها.
- استثمارها قدرات ومواهب الطلاب والاستفادة منها في عملية تعلمهم.
- إسهامها في توجيه الطلاب في البحث عن وظائف المستقبل بناءً على نوع الذكاء العقلي الذي يميزهم ويبدعون به.
هل تعلمون أن للذكاء عشرة أنواع؟
بدأ جاردنر نظريته بثمانية أنواع من الذكاءات تحدث عنها واحداً تلو الآخر ثم في عام (2016) أضاف ذكائين آخرين إلى النظرية.
تابعوا القراءة للتعرف على هذه الذكاءات العشر!
أنواع الذكاءات المتعددة
صنّف جاردنر الذكاء في عشرة أنواع يستطيع من خلالها الناس إدراك وفهم العالم المحيط بهم والتجاوب معه في ضوء هذه الأنواع العشرة، وهي:
- الذكاء اللغوي Linguistic/Verbal Intelligence
يمكن تعريف هذا النوع من الذكاء على أنه قدرة الفرد على تناول ومعالجة واستخدام اللغة شفويًا أو تحريريًا بفاعلية في تطبيق المهام المختلفة وفهم معانيها المعقدة التي تظهر في مجملها درجات عالية من الذكاء.
أين نرى هذا الذكاء مرتفعًا؟ نراه عند المؤلفين والشعراء والصحفيين والمذيعين.
لا بد أن تلاحظون في غرفكم الصفية امتلاك بعض طلبتكم مَلَكة الفصاحة وحسن التعبيرعن النفس والسلاسة في الخطابة، أليس كذلك؟
هؤلاء الطلاب يمتلكون درجة عالية من الذكاء اللغوي حيث تعتبر الفصاحة وسلاسة الخطابة أبرز ما يميز الأذكياء لغويًا.
- الذكاء المنطقي/الرياضي Logical/Mathematical Intelligence
القدرة على فهم الرياضيات والعلوم واستيعاب المفاهيم المجردة بالإضافة إلى القدرة على التفكير المنطقي والتعامل مع الأرقام وحل المشكلات بسرعة عالية دون الحاجة إلى مهارات التحليل والتركيب والتخطيط.
أين نجد هذا الذكاء بدرجة عالية؟ نجده عند العلماء والعاملين في البنوك والمهتمين بالرياضيات والمبرمجين والمحاسبين.
هل لديكم في غرفكم الصفية طلبة لديهم قدرة عالية على حل مختلف المشاكل ويطرحون أسئلة منطقية؟
هؤلاء الطلاب تحديدًا يمتلكون الذكاء المنطقي بدرجة عالية.
- الذكاء المرئي/البصري Visual/Spatial Intelligence
تقوم فكرة هذا الذكاء على تصور الأشياء في الفضاء وتخطيط العقل لها بطريقة ثلاثية الأبعاد، مقياس هذا النوع من الذكاء هو الحس المرئي والبصري والقدرة على التخيل وإيجاد صور ذهنية للمفاهيم المجردة، فإذا واجهتم في غرفكم الصفية طلبة يلجؤون إلى تصور كل شيء ذهنيًا اعلموا جيدًا أن هؤلاء الطلاب يمتكلون درجة عالية من الذكاء المرئي.
نجد هذا النوع من الذكاء عاليًا لدى المختصين في فنون الخط وعمل الخرائط والتصاميم والمهندسين المعماريين والرسامين والنحاتين.
- الذكاء البدني/الحركي Bodily-Kinesthetic Intelligence
القدرة على السيطرة على عضلات الجسم والتحكم بها ويتميز أصحاب هذا النوع من الذكاء بقدرتهم على استخدام أجسامهم للتعبير أو الإشارة عما يريدون التعبير عنه والقدرة على السيطرة على حركات أجسامهم وتوسيع وعيهم بالبيئة المحيطة من خلال أجسادهم.
تجدون هذا الذكاء لدى الممثلين والرياضيين والمقلدين والراقصين.
- الذكاء الموسيقي Musical/Rhythmic Intelligence
القدرة على العزف والتلحين وامتلاك الحس بالموسيقى والاستمتاع بالنغمات الموسيقية المختلفة، فهذا الذكاء مرتبط بالمهارات الموسيقية، فإذا سمعتم أحد طلبتكم أثناء دراسة موضوع معين يقوم بتلحين كلمات الدرس ويغنيها ضمن إيقاع ونغمة معينة تأكدوا أن هذا الطالب أو الطالبة قدراتهم الموسيقية عالية جدًا لذلك لا تنزعجوا من غنائهم وتلحينهم.
السؤال الآن، أين تجدون هذا الذكاء؟ المغنون وكتّاب كلمات الأغاني وكذلك الملحنون وأساتذة الموسيقى هم أكبر دليل على هذا الذكاء.
- الذكاء البيني/الذاتي Intrapersonal Intelligence
قدرة الأفراد على معرفة وإدراك مشاعرهم الذاتية وقدرتهم على اكتشاف الذات وتمييز حاجاتها ومواطن الضعف والقوة فيها، ومن ثم القدرة على التحكم بها والتواصل معها.
أشعرتم أن ملاحظة هذا النوع من الذكاء صعبة؟
لا تقلقوا، فقد أكد جاردنر أيضًا في كتابه أن هذا النوع من الذكاء يصعب ملاحظته والوسيلة الوحيدة للتعرف عليه تكمن في ملاحظة الطلاب لفترة طويلة وتحليل عاداتهم في الغرفة الصفية وإنتاجهم وفقاً لملاحظتكم، لذلك لا تتسرعوا في الحكم على نمط عمل معين قد يظهره بعض طلبتكم كالعمل بشكل فردي أو منطوي عن باقي زملائهم.
لا بد أنكم تتسائلون الآن، أين تجدون هذا الذكاء؟
تجدونه لدى الفلاسفة والأطباء النفسانيين والباحثين الاجتماعيين.
- الذكاء الاجتماعي/التواصلي Interpersonal Intelligence
القدرة على تمييز مشاعر الآخرين ومزاجهم وفهم سلوكياتهم كما تتضمن القدرة على التفاوض والتعامل مع الغير ومن ثم اتخاذ القرار المناسب بناء على هذه المعرفة. إن الطلبة الذين لهم هذا الذكاء يميلون إلى العمل الجماعي ولهم القدرة على القيادة والتنظيم والتواصل والمفاوضات ويتجسد هذا الذكاء لدى الأطباء والتجار والمستشارين والسياسيين والزعماء والعاملين في المقاولات.
- الذكاء الطبيعي Naturalist Intelligence
القدرة على تمييز وتصنيف مكوّنات الحياة والبيئة الطبيعية من حيوانات ونباتات وظواهر طبيعية، والقدرة على جمع وتصنيف المعلومات والنماذج الطبيعية مثل الصخور والمتحجرات والريش وبعض أنواع الأزهار والفراش، أصحاب هذا النوع من الذكاء يفضلون القراءة عن مكونات البيئة الطبيعية من حيوانات ونباتات ومظاهر طبيعية كما يبدون اهتمامًا كبيرًا في تعلم بعض المواد دون غيرها كالأحياء وعلم الأرض والأرصاد الجوية وعلم الفلك ويتميزون بحواس حادة (بصر وتذوق ورائحة ولمس).
أعزاءنا المعلمون
مما لا شك فيه أن نظرية الذكاءات المتعددة قدمت حلولًا للمشكلات المختلفة التي قد تواجهكم في غرفكم الصفية، كملل طلبتكم أثناء الحصص الدراسية والإحباطات التي قد تصيبهم بسبب عدم تلبية احتياجاتهم للتعلم، وتظهر أهمية نظرية الذكاءات المتعددة بالطريقة التي تسلط بها الضوء على الفروق الفردية الموجودة بين طلبتكم مما يساهم في إظهار الموهبة والإبداع الموجود لديهم، فمن خلال معرفة طريقة تعلم طلبتكم وأنماط ذكائهم تستطيعون أن تنوعوا في استراتيجيات تدريسهم وأن تقدموا لهم ما يناسبهم من مهام فيصبحون أكثر تفاعلًا داخل غرفكم الصفية.
تعرفتم في مقال اليوم على ثمانية ذكاءات، ماذا عن الذكاءين الأخيرين اللذين أضافهما جاردنر عام 2016؟
هل تريدون معرفة كيفية الاستفادة من نظرية الذكاءات المتعددة في العملية التربوية وفي تدريس طلبتكم؟
إذن ننصحكم بقراءة المقال اللاحق كلنا أذكياء (2).